فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ}.
قرئ بالياء حملًا على لفظ من وبالتاء حملًا على المعنى، وكذلك تعمل، والقنوت هنا بمعنى الطاعة {نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أي يضاعف لها ثواب الحسنات {رِزْقًا كَرِيمًا} يعني الجنة، وقيل: في الدنيا، والأوّل هو الصحيح.
{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النساء إِنِ اتقيتن} فضلهن الله على النساء بشرط التقوى، وقد حصل لهن التقوى فحصل التفضيل على جميع النساء، إلا أنه يخرج من هذا العموم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومريم بن عمران وآسية امرأة فرعون لشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل واحدة منهن بأنها سيدة نساء عالمها {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} نهى عن الكلام اللين الذي يعجب الرجال ويميلهن إلى النساء {فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فجور وميل للنساء، وقيل: هو النفاق، وهذا بعيد في هذا الموضع {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} هو الصواب من الكلام أو الذي ليس فيه شيء مما نهى عنه.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قرئ بكسر القاف، ويحتمل وجهين: أن يكون من الوقار أو من القرار في الموضع، ثم حذفت الراء الواحدة كما حذفت اللام في ظلت، وأما القراءة بالفتح فمن القرار في الموضع، ثم حذفت الراء الواحدة كما حذفت اللام في ظلت، وأما القراءة بالفتح فمن القرار في الموضع على لغة من يقول قررت بالكسر أقر بالفتح، والمشهور في اللغة عكس ذلك، وقيل: هي من قار يقار إذا اجتمع، ومعنى القرار أرجح، لأن سودة رضي الله عنها قيل لها: لم لا تخرجين؟ فقالت: أمرنا الله بأن نقرّ في بيوتنا، وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية تبكي على خروجها أيام الجمل، وحينئذ قال لها عبد الله بن عمر: إن الله أمرك تقري في بيتك {وَلاَ تَبَرَّجْنَ} التبرج إظهار الزينة {تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى} أي مثل ما كان نساء الجاهلية يفعلن، من الانكشاف والتعرض للنظر، وجعلها أولى بالنظر إلى حال الإسلام، وقيل: الجاهلية الأولى ما بين آدم ونوح، وقيل: ما بين موسى وعيسى.
{الرجس} أصله النجس، والمراد به النقائص والعيوب {أَهْلَ البيت} منادى أو منصوب على التخصيص، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم أزواجه وذريته وأقاربه كالعباس وعليّ وكل من حرمت عليه الصدقة، وقيل: المراد هنا أزواجه خاصة، والبيت على هذا المسكن، وهذا ضعيف لأن الخطاب بالتذكير، ولو أراد ذلك لقال: عنكن ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية في خمسة: «في ولد عليّ وفاطمة والحسن والحسين».
{واذكرن} خطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، خصهن بعد دخولهن مع أهل البيت، وهذا الذكر يحتمل أن يكون التلاوة أو التذكر بالقلب، وآيات الله هي القرآن والحكمة هي السنة.
{إِنَّ المسلمين والمسلمات} الآية: سببها بعض النساء قلن: ذكر الله الرجال ولم يذكرنا، فنزل فيها ذكر النساء {والمؤمنين والمؤمنات} الإسلام هو الانقياد، والإيمان هو التصديق، ثم أنهما يطلقان بثلاثة أوجه باختلاف المعنى كقوله: {لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} وبالاتفاق لاجتماعهما كقوله: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين} [الذاريات: 35] الآية، وبالعموم فيكون الإسلام أعم، لأنه بالقلب والجوارح، والإيمان أخص لأنه بالقلب خاصة، وهذا هو الأظهر في هذا الموضع {والقانتين والقانتات} يحتمل أن يكون بمعنى العبادة أو الطاعة {والصادقين والصادقات} يحتمل أن يكون من صدق القول أو من صدق العزم.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} الآية: معناها أنه ليس لمؤمن ولا مؤمنة اختيار مع الله ورسوله، بل يجب عليهم التسليم والانقياد لأمر الله ورسوله، والضمير في قوله من أمرهم: راجع إلى الجمع الذي يقتضيه قوله: {لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} لأن معناه العموم في جميع المؤمنين والمؤمنات، وهذه الآية توطئة للقصة المذكورة بعدها، وقيل: سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب امرأة ليزوجها لمولاه زيد بن حارثة، فكرهت هي وأهلها ذلك، فلما نزلت الآية قالوا: رضينا يا رسول الله، واختلف هل هذه المخطوبة زينب بنت جحش أو غيرها، وقد قيل: إنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
{وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} هو زيد بن حارثة الكلبي، وإنعام الله عليه بالإسلام وغيره، وإنعام النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق وكانت عند زيد زينب بنت جحش وهي بنت أميمة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فشكا زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء معاشرتها وتعاضمها عليه، وأراد أن يطلقها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك زوجك واتق الله» يعني فيما وصفها به من سوء المعاشرة، واتق الله ولا تطلقها فيكون نهيًا عن الطلاق على وجه التنزيه، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أبغض المباح إلى الله الطلاق» {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} الذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر جائز مباح لا إثم فيه ولا عتب، ولكنه خاف أن يسلط الله عليه ألسنتهم وينالوا منه، فأخفاه حياء وحشمة وصيانة لعرضه، وذلك أنه روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على أن يطلق زيد زينب ليتزوجها هو صلى الله عليه وسلم لقرابتها منه ولحسبها، فقال: أمسك إذ كان زوجك وهو يخفي الحرص عليها خوفًا من كلام الناس، لئلا يقولوا: تزوج امرأة ابنه إذ كان قد تبناه، فالذي أخفاه صلى الله عليه وسلم وهو إرادة تزوجها، فأبدى الله ذلك بأن قضى له بتزوّجها، فقالت عائشة: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه. وقيل: إن الله كان أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زينب بعد طلاق زيد، فالذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعلمه الله به من ذلك {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} لم يُذكر أحد من الصحابة في القرآن باسمه غير زيد بن حارثة، والوطر الحاجة، أي لما لم يبق لزيد فيها حاجة زوجها الله من نبيه صلى الله عليه وسلم، وأسند الله تزويجها إاليه تشريفًا لها، ولذلك كانت زينب تفتخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: إن الله زوجني نبيه من فوق سبع سموات»، واستدل بعضهم بقوله: زوجناكها على أن الأولى أن يقال في كتاب الصداق: أنكحه إياها بتقديم ضمير الزوج على ضمير الزوجة كما في الآية: {لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ} المعنى أن الله زوّج زينب امرأة زيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليُعلم المؤمنين أن تزوج نساء أدعيائهم حلال لهم، فإن الأدعياء ليسوا لهم بأبناء حقيقة.
{مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} المعنى أنَّ تزوَّجَ النبي صلى الله عليه وسلم لزينب بعد زيد حلال، لا حرج فيه ولا إثم ولا عتاب، وفي ذلك ردّ على من تكلم في ذلك من المنافقين. وفرض هنا بمعنى قسم له {سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} أي عادة الله في الأنبياء المتقدمين أن ينالوا ما أحل الله لهم، وقيل: الإشارة بذلك إلى دواد في تزوجه للمرأة التي جرى له فيها ما جرى، والعموم أحسن، ونصب سنة على المصدر، أو على إضمار فعل أو على الإغراء.
{الذين يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله} صفة للذين خلوا من قبل، وهم الأنبياء أو رفع على إضمار مبتدأ، أو نصب بإضمار فعل.
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} هذا ردّ على من قال في زيد بن حارثة: زيد بن محمد، فاعترض على النبي صلى الله عليه وسلم تزوّج امرأة زيد، وعموم النفي في الآية لا يعارضه وجود الحسن والحسين، لأنه صلى الله عليه وسلم ليس أبًا لهما في الحقيقة لأنهما ليسا من صلبه، وإنما كانا ابني بنته، وأما ذكور أولاده فماتوا صغارًا فليسوا من الرجال {وَخَاتَمَ النبيين} أي آخرهم فلا نبيّ بعده صلى الله عليه وسلم وقرئ بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم فهو خاتم، وبالفتح بأنهم خُتموا به فهو كالخاتم والطابع لهم، فإن قيل: إن عيسى ينزل في آخر الزمان فيكون بعده عليه الصلاة والسلام، فالجواب أن النبوّة أوتيت عليى قبله عليه الصلاة والسلام، وأيضًا فإن عيسى يكون إذا نزل على شريعته عليه الصلاة والسلام، فكأنه واحد من أمته.
{اذكروا الله ذِكْرًا كَثِيرًا} اشترط الله الكثرة في الذكر حيثما أمر به بخلاف سائر الأعمال، والذكر يكون بالقلب وباللسان وهو على أنواع كثيرة من التهليل والتسبيح والحمد والتكبير وذكر أسماء الله تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} قيل: إن ذلك إشارة إلى صلاة الصبح والعصر، والأظهر أنه أمر بالتسبيح في أو النهار وآخره، وقال ابن عطية: أراد من كل الأوقات فحدُ النهار بطَرَفَيْه.
{هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ} هذا خطاب للمؤمنين، وصلاة الله عليهم رحمة لهم، وصلاة الملائكة عليهم دعاؤهم لهم، فاستعمل لفظ يصلي في المعنيين على اختلافها وقيل: إنه على حذف مضاف تقديره وملائكته يصلون.
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ} قيل: يعني يوم القيامة وقيل: في الجنة وهو والأرجح لقوله: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس: 10]، ويحتمل أن يريد تسليم بعضهم على بعض أو قول الملائكة لهم {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر: 73].
{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} أي يشهد على أمته {وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ} أي بأمر الله وإرساله {وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} استعارة للنور الذي يتضمنه الدين.
{وَدَعْ أَذَاهُمْ} يحتمل وجهين أحدهما لا تؤذهم فالمصدر على هذا مضاف إلى المعفول ونسخ من الآية على هذا التأويل ما يخص الكافرين بآية السيف، والآخر احتمل إذايتهم لك، وأعرض عن أقوالهم، فالمصدر على هذا مضاف للفاعل.
{إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآية: معناه سقوط العدّة عن المطلقة قبل الدخول، فالنكاح في الآية هو العقد، والمس هو الجماع، وتعتدونها من العدد {فَمَتِّعُوهُنَّ} هذا يقتضي متعة المطلقة قبل الدخول، سواء فرض لها أو لم يفرض لها صداق، وقوله تعالى في [البقرة: 237] {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} يقتضي أن المطلقة قبل الدخول وقد فرض لها، يجب لها نصف الصداق ولا متعة لها، وقد اختلف هل هذه الآية ناسخة لآية البقرة أو منسوخة بها؟ ويمكن الجمع بينهما بأن تكون آية البقرة مبينة لهذه، مخصصة لعمومها.
{يا أيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} في معناها قولان أحدهما أن المراد أزواجه اللاتي في عصمته حينئذ، كعائشة وغيرها، وكان أعطاهن مهورهن، والآخر أن المراد جميع النساء، فأباح الله له أن يتزوج كل امرأة يعطى مهرها، وهذا أوسع من الأول {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أباح الله له مع الأزاج السراري بملك اليمين ويعني بقوله: {أَفَاءَ الله عَلَيْكَ} الغنائم {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ} يعني قرابته من جهة أبيه ومن جهة أمه، وكان له عليه الصلاة والسلام أعمام وعمات إخوة لأبيه، ولم يكن لأمه عليه الصلاة والسلام أخ ولا أخت، وإنما يعني بخاله وخالاته عشيرة أمه وهم بنو زهرة، ولذلك كانوا يقولون نحن أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قال: إن المراد بقوله: {أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} من كانت في عصمته: فهو عطف عليهن، وإباحة لأن يتزوج قرابته زيادة على من كان في عصمته، ومن قال: إن المراد جميع النساء، فهو تجريد منهن على وجه التشريف بعد دخول هؤلاء في العموم {اللاتي هَاجَرْنَ مَعَكَ} تخصيص تحرز به ممن لم يهاجر، كالطلقاء الذين أسلموا يوم فتح مكة {وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} أباح الله له صلى الله عليه وسلم من وهبت له نفسها من النساء، واختلف هل وقع ذلك أم لا؟ فقال ابن عباس: لم تكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بنكاح أو ملك يمين، لا بهبة نفسها، ويؤيد هذا قراءة الجمهور إن هبت بكسر الهمزة إي إن وقع، وقيل: قد وقع ذلك، وهو على هذا القول قرئ: {إِن وَهَبَتْ} بفتح الهمزة، واختلف على هذا القول فيمن هي التي وهبت نفسها فقيل: ميمونة بنت الحارث، وقيل زينب بنت خزيمة أم المساكين، وقيل: أم شريك الأنصارية، وقيل أم شريك العامرية.
{خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين} أي هبة المرأة نفسها مزية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وانظر كف رجع من الغيبة إلى الخطاب ليخص المخاطب وحده، وقيل: إن خالصة يرجع إلى كل ما تقدم، من النساء المباحات له صلى الله عليه وسلم، لأن سائر المؤمنين قُصروا على أربع نسوة، وأبيح له عليه الصلاة والسلام أكثر من ذلك، ومذهب مالك أن النكاح بلفظ الهبة لا ينعقد بخلاف أبي حنيفة، وإعراب: {خَالِصَةً} مصدر أو حال أو صفة لامرأة {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ في أَزْوَاجِهِمْ} يعني أحكام النكاح من الصداق والوليّ والاقتصار على أربع وغير ذلك {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} يتعلق بالآية التي قبله أي: بينا أحكام النكاح لئلا يكون عليك حرج، أو لئلا يظن بك إنك فعلت ما لا يجوز، وقال الزمخشري: يتعلق بقوله: {خَالِصَةً لَّكَ}. اهـ.

.قال الخازن:

{ومن يقنت منكن لله ورسوله} أي تطع الله ورسوله {وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين} أي مثلي أجر غيرها قيل: الحسنة بعشرين حسنة وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن وفيه إشارة إلى أنهن أشرف نساء العالمين {وأعتدنا لها رزقًا كريمًا} أي الجنة.
قوله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} قال ابن عباس: يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي {إن اتقيتن} أي الله فأطعتنه فإن الأكرم عند الله هو الأتقى {فلا تخضعن بالقول} أي لا تلن بالقول للرجال ولا ترققن الكلام {فيطمع الذي في قلبه مرض} أي فجور وشهوة وقيل نفاق والمعنى لا تقلن قولًا يجد المنافق والفاجر به سبيلًا إلى الطمع فيكن والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقال إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع فيهن {وقلن قولًا معروفًا} أي يوجبه الدين والإسلام عند الحاجة إليه، ببيان من غير خضوع وقيل القول المعروف ذكر الله تعالى.
قوله: {وقرن في بيوتكن} أي الزمن بيوتكن وقيل هو أمر من الوقار أي كن أهل وقار وسكون {ولا تبرجن تبرج} قيل: هو التكسر والتغنّج والتبختر وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال {الجاهلية الأولى} قيل الجاهلية الأولى هو ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقيل: هو زمن داود وسليمان عليهما السلام كانت المرأة تلبس قميصًا من الدر غير مخيط الجانبين، فيرى خلفها منه وقيل كان في زمن نمرود الجبار كانت المرأة، تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي به وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال وقال ابن عباس: الجاهلية الأولى ما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة وقيل: إن بطنين من ولد آدم عليه السلام كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل وكانت رجال الجبل صباحًا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحًا وفي الرجال دمامة وإن إبليس أتى رجلًا من أهل السهل وأجره نفسه وكان يخدمه واتخذ شيئًا مثل الذي يرمز به الرعاة فجاء بصوت لم يسمع الناس مثمله فبلغ ذلك من حولهم فأتوهم يستعمون إليه، واتخذوا عيدًا يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال وتتزين الرجال لهن، وأن رجلًا من أهل الجبل، هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة فيهن فذلك قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} وقيل الجاهلية الأولى ما قبل الإسلام والجاهلية الأخرى، قوم يفعلون مثل فعلهم آخر الزمان وقيل قد تذكر الأولى وإن لم تكن لها أخرى {وأقمن الصلاة} أي الواجبة {وآتين الزكاة} أي المفروضة {وأطعن الله ورسوله} أي فيما أمر وفيما نهى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس} أي الإثم الذي نهى الله النساء عنه.
وقال ابن عباس: يعني عمل الشيطان وما ليس الله فيه رضا، وقيل: الرجس الشك وقيل السوء {أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن في بيته وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وتلا قوله تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} وهو قول عكرمة ومقاتل وذهب أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة وغيرهم إلى أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين م، يدل عليه ما روي عن عائشة أم المؤمنين قالت «خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن فأدخله فيه، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجل أهل البيت ويطهركم تطهيرًا}» أخرجه مسلم.